إمراءه من طراز خاص

تأملاتي بعد الخمسين للشيخ الطنطاوي 5


ربما تحتوي الصورة على: شخص واحد












تأملات مابعد سن الخمسين
‎الشيخ الطنطاوي الجزء الأخير
‎هذا مثال من يجعل هذه الدنيا الفانية أكبر همِّه، ويزهد في الآخرة الباقية، ولو عقل لزهد في الدنيا. لا يحمل ركوته وعصاه، ويسلك البراري وحيدًا، ولا يُقيم في زاوية ويمدُّ يده للمحسنين؛ فإن هذا هو زُهد الجاهلين، وهو معصية في الدين.
‎إنَّ الزُّهد الحق هو زُهد الصحابة والتابعين، الذين عملوا للدنيا، واقتنوا الأموال، واستمتعوا بالطيِّبات الحلال، وأظهروا نِعَم الله عليهم، ولكن كانت الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، وكان ذِكرَ الله أبدًا في نفوسهم وعلى ألسنتهم، وكانت الأريعة نبراسهم وإمامهم، وكانت أيديهم مبسوطةً بالخير، وكانوا لا يفرحون بالغنى حتى يَبطروا، ولا يحزنون
‎للفقر حتى ييأسوا، بل كانوا بين غنيٍّ شاكر، وفقيرٍ صابر.
‎ومَن يحصِّل المال ويُنفقه في الطاعة خيرٌ ممَّن لا يحصّل ولا ينفق، بل يسأل ويأخذ، ومن يتعلَّم العلم ويعمل به، خيرٌ ممَّن يعتزل الناس للعبادة في زاويةٍ أو مغارة، ومن يكون ذا سلطانٍ ومنصب فيُقيم العدل، ويدفع الظلم، خيرٌ ممّن لا سلطان له ولا عدل على يديه
‎وليست العبادة أن تصفَّ الأقدام في المحاريب فقط، ولكنْ كلُّ معروفٍ تُسدِيه إن احتسبته عند الله كان لك عبادة، وكلُّ مباحٍ تأتيه إن نويت به وجه الله كان عبادة؛ إذا نويت بالطعام التقوِّي على العمل الصالح، وبمعاشرة الأهل الاستعفاف والعفاف، وبجمع المال من حِلِّه القدرة به على الخير، كان كلُّ ذلك لك عبادة، وكلُّ نعمة تشكر عليها، وكلُّ مصيبة تصبر لله عليها كانت لك عبادة.
‎والإنسان مفطورٌ على الطمع، تراه أبدًا كتلميذِ المدرسة؛ لمَّا بلغ فصلًا كان همُّه أن يصعد إلى الذي فوقه. ولكن التلميذ يسعى إلى غاية معروفة، إذا بلغها وقف عندها، والمرء في الدنيا يسعى إلى شيءٍ لا يبلغه أبدًا؛ لأنَّه لا يسعى إليه ليقف عنده ويقنع به، بل ليجاوزه راكضًا يريد غايةً هي صورةٌ في ذهنه، ما لها في الأرض من وجود! وقد يُعطى المال الوفير والجاه الواسع والصحة والأهل والولد، ثمّ تجده يشكو فراغًا في النَّفْس، وهمًّا خفيًّا في القلب لا يعرف له سببًا، يحسُّ أنَّ شيئًا ينقصه، ولا يدري ما هو، فما الذي ينقصه، فهو يبتغي استكماله؟
‎لقد أجاب على ذلك رجلٌ واحد؛ رجلٌ بلغ في هذه الدنيا أعلى مرتبة يطمح إليها رجل: مرتبة الحاكم المطلق في ربع الأرض، فيما بين فرنسا والصين، وكان له مع هذا السلطان الصحة والعلم والشَّرف، هو عمر بن عبد العزيز الذي قال: "إنَّ لي نفسًا توَّاقة، ما أُعطيت شيئًا إلَّا تاقت إلى ما هو أكبر: تمنَّت الإمارة، فلمَّا أُعطيَتها تاقت إلى الخلافة، فلمَّا بلغتها تاقت إلى الجنّة".
‎هذا ما تطلبه كلُّ نفس؛ إنَّها تطلب العودة إلى موطنها الأوَّل، وهذا ما تُحسُّ الرغبة الخفيَّة أبدًا فيه، والحنين إليه، والفراغ الموحِش إن لم تجده.
‎فهل اقتربتُ من هذه الغاية، بعدما سِرتُ إليها على طريق العمر اثنتين وخمسين سنة؟
‎يا أسفي! لقد مضى أكثر العمر، وما ادَّخرتُ من الصالحات، ولقد دنا السَّفر، وما تزوَّدتُ ولا استعددتُ، ولقد قَرُبَ الحصاد، وما حرثتُ ولا زرعتُ، وسمعتُ المواعظ ورأيت العِبَر، فما اتَّعظتُ ولا اعتبرتُ، وآن أوانُ التوبة فأجَّلتُ وسوَّفتُ.
‎اللهم اغفر لي ما أسررتُ، وما أعلنتُ، فما يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم سترتني فيما مضى، فاسترني فيما بقى، ولا تفضحني يوم الحساب.
‎ورحم الله قارئاً قال: آمين
انتهى
.......🌸🌸...🌸🌸.........
مدونة امرأة من طراز خاص
👸خدمة امرأة من طراز خاص 👸
بقيادة المدربة والاستشارية الأسرية
🎀 أ.أروى حسين
👈حسابنا على تويتر وفيسبوك وانستجرام📲 @semfonias
👈تليجرام 📲
‏@semfonias4
للانضمام لخدمتنا النسائية
💟التواصل مع المشرفة ام باسل
‪+966 53 573 0504
شاركها في جوجل+

0 التعليقات:

إرسال تعليق