إمراءه من طراز خاص

قصة وحكمة 4

البارحة رجعنا إلى ديارنا أنا وزوجي وابنتينا راما ونوران..
لم يكن رجوعنا هذه المرة للزيارة فقط كسابق عهدنا، فقد صممت أنا وأمجد أن نقطع إقامتنا في أمريكا، ونستغني عن الإقامة (الكرين كارت) التي كنا موعودين بالحصول عليها بعد شهرين، وآثرنا أن نعود إلى وطننا الأم قبل أن تختطف منا أمريكا ابنتينا، كما اختطفت عمر..

كان ذلك بعد ثلاثة أشهر من إصدار المحكمة حكمها الجائر بانتزاع عمر من بين أيدينا، وتسليمه إلى عائلة أمريكية..

يمكنني أن أقول: إن اتخاذنا لقرار العودة ولد في ذلك اليوم المشؤوم، ولكننا تأخرنا في تنفيذه لأننا كنا نأمل باستعادة عمر، فقد وكلنا محامياً بارعاً، واستأنفنا القضية، ولكن ذلك كله كان هباء منثوراً، فقد ابتلعته أمريكا كما ابتلعت غيره من شباب المسلمين بوسائل مختلفة..

كان أهلي وأهل أمجد وبعض الأحباب والمعارف في انتظارنا في صالة المطار بشوق بالغ، فقد مضى خمس سنوات على آخر زيارة لنا..

وبعد عناق وقبلات حارة، بدؤوا يسألون عن عمر، ولم يكن أحد منهم يعلم بقصته بعد، فقد آثرنا تأجيل إخبارهم بما جرى لأننا كنا نطمح باستعادته من جهة، ولأننا لم نكن مستعدين نفسياً للخوض في هذا الموضوع من جهة أخرى..

حاولت تغيير مجرى الحديث، وقد رسمت على ثغري ابتسامة مصطنعة، وأنا أتجلد وأغالب نزول الدمع الذي بدأ يترقرق في مقلتي، أما أمجد فقد تظاهر بأنه منشغل في إحضار الحقائب..

لكن نوران أجابتهم ببراءة وعفوية:

- لقد غيّر عمر أباه وأمه.. ولم يعد اسمه عمر بل جورج..
ظنها الجميع نكتة ساخرة، فضحكوا ملء أفواههم، فلم أستطع أن أتمالك نفسي، وأنا أسمع أصوات ضحكاتهم، فأجهشت بالبكاء..

وعندما علموا بالقصة بكوا جميعاً، لأنهم يحبون عمر من جهة، ولأنهم يرثون لحالنا نحن المفجوعين بفلذة كبدنا وريحانة قلوبنا..

أنا الآن أقر بأنني أتعس إنسانة في الوجود، وأعتقد أن أية أم ثكلى هي أفضل حالاً مني، لأنها لن تلبث أن تنسى مصيبتها أو تتناساها، أما أنا فلا يمكن لي أن أنسى ابني الحبيب، وأنا أعلم أنه على قيد الحياة!!

أنا الآن أفتقد عمر، وألتهب شوقاً لاحتضانه وتقبيله..
طيفه الغالي متأصل في أعماقي لدرجة يصعب اقتلاعها، وهو يحرمني لذة الرقاد ونعيم الطعام والشراب..
لا يمكن لأي شيء في الوجود أن يواسيني ويعوضني عن فقده..

كل شيء يذكرني به.. السماء الزرقاء تذكرني بلون عينيه، والغيوم البيضاء تذكرني بالثلوج التي كان يتدحرج فوقها بفرح وغبطة..

كل زاوية من البيت تعيد ذكراه إلى مخيلتي رغماً عني.. فهنا كان عمر ينام، وهنا كان يلعب، وهنا كان يجلس ليشاهد التلفاز..

حتى الطعام الذي لا أتذوق منه إلا لقيمات بسبب حسرتي ومرارتي، فقد بات هو الآخر يذكرني بعمر... فهذا يحبه عمر ويشتهيه، وذاك يكرهه ويأنف منه..

معرفتي أنه على قيد الحياة، وأنني لا أستطيع تمتيع ناظري برؤيته يزيدني بؤساً وحسرة وشقاء..

أنا الآن أتمنى أن أدفع عمري لأراه وأحتضنه ولو لمرة واحدة فقط.. وسوف أبذل قصارى جهدي لتحصيل ذلك..
اليوم تأكدت أن ابني الحبيب عمر مات منذ سبع سنوات..
سبع سنوات من عمري أمضيتها في لهيب الشوق وحسرة الفراق وآلامه..

سبع سنوات كنت أحلم فيها كل يوم تقريباً بابني الحبيب عمر.. حلمت به مرات عديدة يطرق باب المنزل، ويهرع إلي وإلى أبيه يعانقنا ويقبلنا ويعتذر عما سببه لنا من آلام، ولكنني عندما أصحو كنت أكتشف الحقيقة المرة، فهو ما يزال في أمريكا مع أمه وأبيه بالتبني، وما يزال اسمه جورج..

حاولت في هذه السنوات السبع أن أكلمه على الهاتف، بعد أن استطعت الحصول على رقمه عن طريق أبناء الخير من أصدقائي في أمريكا..

أردت ان أمتع أذني بسماع صوته، وكنت أنوي أن أخبره بأننا نحبه مهما حصل، وأننا مستعدان لأن نغفر له كل ما فعل، وأننا اشتقنا إليه كثيراً، وكنت أنوي أن أطلب إليه وأرجوه أن يعود إلينا سريعاً لأننا لا نستطيع العيش دونه..
لكن محاولاتي جميعها باءت بالفشل، فقد كنت في كل مرة أتصل فيها يجيب السيد فريدز أو زوجته أو شخص آخر باللغة الإنكليزية، ويرددون:
الرقم خاطئ.. لا يوجد لدينا أحد اسمه عمر..

وعندما كنت أطلب الحديث مع جورج، كان الطرف الآخر يتلكأ ثم يدعي أن جورج خارج المنزل..

لم يحدث أن أجاب عمر بنفسه على الهاتف أبداً، أو هكذا كنت أظن..

بعد معاناة طويلة قررت أن أسافر إلى أمريكا للقائه، وقد وجدت الفرصة مناسبة لذلك حين وصلتني أنباء سارة عن تخرجه من الجامعة برتبة الأول على صفه..

لم يكن أمجد مقتنعاً بما أفعله، لأن عمر حسب رأيه شق لنفسه طريقاً مختلفاً، ولن يعدّل من قناعاته شيء، وكانت لدى أمجد تخوفات من أن يستقبلني عمر بنفس الجفوة والقسوة التي فارقني عليها، ولكنه لم يشأ أن يقف عائقاً بيني وبين تحقيق حلمي، فهو يعرف جيداً أن قلبي سيظل ينبض بحب عمر والاشتياق إليه حتى آخر رمق من حياتي..
من جهتي أنا فإن شعوراً قوياً كان يراودني بأن عمر نادم على فعلته، وأن معاناته من مرارة الغربة ولهيب الشوق لا تقل عن معاناتي، وأنه عندما يراني سوف يهرع لاحتضاني وتقبيلي..

فماالذي حدث؟
يتبع...

.......🌸🌸...🌸🌸.........

مدونة امرأة من طراز خاص

 http://semfonias.blogspot.co.uk/?m=1

👸خدمة امرأة من طراز خاص 👸

          بقيادة المدربة والاستشارية الأسرية

         🎀 أ.أروى حسين

👈حسابنا على تويتر وفيسبوك وانستجرام📲 @semfonias

👈تليجرام 📲

‏@semfonias4

للانضمام  لخدمتنا النسائية

💟التواصل مع المشرفة ام باسل

‪+966 53 573 0504
شاركها في جوجل+

0 التعليقات:

إرسال تعليق