إمراءه من طراز خاص

قصة ومعنى ......10


لا أزال خلف القضبان
أحمل روح انسان
يصارع الواقع .. في السجن
لا عمل أقوم به .. سوى الانتظار
والملل يغلف أجواء الزنزانة .. وروائح السجائر
.
.
أحيانا أقول .. أنها فرصتي لأتعلم .. وأطبق .. وأتعرف أكثر على
تجارب الآخرين عن قرب، حيث يوجد أناس عاشوا تجاربهم الذاتية
ووصلوا الى هنا على قدر الله .. لأجدها فرصة .. وأتعلم
وأحيانا تعتصر المرارة والحسرة أعماقي
وأستعيد شريط ذكرياتي .. وأراجع أخطائي
كما تتزاحم صور وكلمات الناس
من أقاربي .. وماذا يمكن
أن بقولون عن سعيد
الرجل المثقف الواعي القدوة
.
.
لا بد أنهم الآن يشمتون بي .. ويستهزون
.
.
وأغرق في بحر متلاطم من الأفكار والمشاعر
حتى أستصغر ذاتي .. وأشعر بالحسرة عليها
وفي قاع الألم .. أشعر بقوة خارقة
تدفعني الى أعلى فأنتفض
وأقول
( لن تتوقف الحياة عند هذا الحد ، وكيف ستختبر ياسعيد قوتك .. وقدرتك على التعامل الصحيح مع المشكلات .. )
لافكر بهدوء عميق
فيما أسمعه من أبوناصر
ومن جاسر
.
.
وفي كل حكاية من حكاياتهم الكثير من الهدايا
المغلفة بدموع وألم التجربة
فقط كا ما أحتاجه أن أستعيد
كلماتهم التي قالوها
وأشعر بها
وأستخرج منها تلك الهدايا
.
.
واليوم .. أجد نفسي
أروي معاناة مررت بها .. وأنتهت ولفها الماضي بوشاحه
ولم يتبقى منها سوى كلمات .. من نور
أتذكر تفاصيلها .. وأبكي أحيانا
وأنا أستعيد تلك الذكريات
أشعر بالفخر العميق
والحنين لأولئك الأساتذه
الذين تعلمت على أيديهم .. خلف القضبان
.
.
والآن
أريد منكم جميعا التوقف هنا
واعادة القراءة من بداياتي
.
أرجوكم .. ستجدون في أعماق الحكايات
دروس .. ودروس
عيشوها
واستشعروا نعمة الله علينا جميعا
بأن وهبنا هذه الدروس والخبرات
دون أن نقع في معاناة التجربة
.
مرت علي أسبوعن وأنا في السجن المؤقت .. أنتظر حكم المحكمة
سمعت العسكري ينادي باسمي
فرحت كثيرا
فقط لأني سمعت أحدا ينادين باسمي
الذي اشتقت له
ونادى باسمي مع 6 أشخاص آخرين
وخرجنا من الزنزانة ونحن نتهلل فرحا
وعند الباب
ربطوا أرجلنا وأيدينا بسلاسل
مربوطه في بعضها البعض
.
.
وسرنا خلف العسكري بخطوات متعثرة
لنركب الباص الأسود
ذو السبوك الحديدية على النوافذ
.
.
وسارت بنا السيارة ، لندخل مبنى آخر
وندخل غرفة ضيقة لا نستطيع الجلوس بها
.
.
بقينا واقفين
وأخذونا واحدا واحدا
ليتم أخذ بصماتنا ..
وتصويرنا
.
.
ومن ثم تم اقتيادنا الى
السجن الكبير
.
.
تصدقون رغم أننا سننتقل من سجن الى سجن آخر
الا أني كنت أشعر بالسعادة تتسلل الى أعماقي
تدغدغ مشاعري
.
.
ليس الا لأني شعرت أني انسان
وأن الحياة تتحرك بي
بعد 14 يوم من السكون
بلا حركة ولا أي نشاط
.
.
شعرت بطعم الحياة من حولي
وأنا أنظر من نافذة الباص الأسود
شعرت بأن لكل شيء خارج
الزنزانة طعم آخر
حتى السيارات في الشارع
أشجار النخل على أطراف الطريق
العمال وهم يعبرون بحيرة
من طرف الشارع الى طرفه الآخر
.
.
تصدقون لقد غبطت عامل النظافة
وهو واقف في الشمس
يحمل مكنسته
وينظف الشارع
.
.
لأنه يتمتع بالحرية
.
.
أخذت أحدق في الحياة خلف النافذة
هل تصدقون ماذا قلت لنفسي في تلك اللحظة
ولا زلت أذكرها
.
.
قلت سيأتي يوم ، ويصبح كل شيء ذكرى
وقد أكتب مذكراتي خلف القضبان كما فعل
كثير من العظماء
سيد قطب - غاندي - مانديلا ..
.
.
ابتسمت وأغرورقت عيناي بالدمع
وأنا أقول
متى سيأتي ذلك اليوم
.
.
وصلنا أخيرا الى
عنبر 7
.
.
يااااااااااااااالله
دخلت العنبر
وكان مكونا من ممر بعرض 2 م
ويوجد فيه 8 غرف جانبيه ( 4 غرف على كل طرف )
وكان عدد نزلاء عنبر 7 أكثر من 150 شخص
السجناء القدماء يسكنون في الغرف ويسمونها ( عزبه )
وفي كل غرفة 15 سجين ، وهم السجناء القدماء
أما السجناء الجدد فينامون في الممر
حتى يخرج أحد القدامى .. ليدخل مكانه
.
.
كان عدد من ينامون في الممر أكثر من 50 انسان
وعليهم أن يستحملو مرور الآخرين من فوقهم
وهم يذهبون الى دورات المياه
.
.
كما أن علي الساكنين في الممر أن يقومون
من مكانهم ويخلون الممر في أوقات الصلاة
حيث يخرج السجناء من الغرف الجانبية ( العزب = جمع عزبه )
ليصلوا .. وبعد الصلاة يرجعون الى النوم في المرر
.
.
لا شيئ هنا سوى الحديث والنوم
حتى الكتب لا توجد كتب للقراءة
.
.
وقي هذا المكان سأقضي 6 أشهر
في هذا المكان ستكون ولادة انسان جديد
خرج من أعماقي
,
,
في هذا المكان قضيت أقسى اللحظات وأجملها
في هذا المكان .. حكايات وحكايات
لا تعرف فيها الليل من النهار
.
.
وصلت الى هنا
وليس معي سوى
ثوب اهترأ واتسخ
منذ أسبوعين وأنا لم أغيره
ومنذ أسبوعين وأنا لم أستحم
.
.
وليس معي سوى
ذاتي النائمة في أعماقي
وعقلي الشارد .. الباحث عن تلك الذات
وبعض العلوم التي تعلمتها في الدورات التدريبية
أو قرأتها في بطون الكتب
.
.
ولا شيء
.
.
افترشت أرض الممر مع أناس لا أعرفهم
أناس تسكن ملامحهم علامات الحزن
والألم .. والبؤس .. والشقاء
والغضب لأتفه الأسباب
.
.
أناس مستعدون للقتال لأي سبب
.
.
هنا
عالم من المتناقضات
صغار وكبار
مجرمين ومظلومين
دكاترة جامعيين وعمال نظافة
عرب وأجانب
.
.
كل شيء هنا موجود
الا الحرية الجسدية
وهذا ما تعلمته هنا
أن هناك حرية فكرية
وحرية نفسية
وحرية جسدية
.
.
سلبت الحرية الجسدية
ليبدأ بحثنا وتركيزنا
على الحرية الفكرية والنفسية
كان الوضع هنا
مزري ( بالمعايير الانسانية )
ولكنه مثالي ( بمعاييري الخاصة )
.
.
كنت أشبه هذا المكان الصغير .. بالعالم الكبير
حيث الجنسيات المختلفة
والطباع المتفاوته
والأخلاق .. والأفكار
وحتى المستويات التعليمية
.
.
هنا دكاترة في الجامعات .. وهنا أميين لا يقرأون ولا يكتبون
وفي هذا المزيج الغير متجانس
أجدها فرصة لارهاف السمع
والتأمل في العالم من حولي
.
.
هناك مجرمين قتلوا وعاثوا في الأرض فسادا
وهناك أبرياء ، قادتهم الظروف الى هنا
وتفاوتت أيضا ردود أفعالهم
فأرى هنا من يضحك رغم الظلم الواقع عليه
ويردد حسبنا الله ونعم الوكيل
.
.
وهناك من يصرخ ويتذمر .. رغم أنه يعترف بذنبه الذي اقترفته يداه
.
.
في هذا الجو
وفي هذه البيئة
رأيتها فرصة ذهبية
ومنحة الهية
يجب أن أستثمرها
.
.
لا أخفي عليكم بأني قد صدمت في البداية
وحاولت جاهدا التواصل مع
بعض الأصدقاء الخاصين
والمعارف الذين أثق بهم
وكانت النتيجة أن لا أحد يملك
القدرة على تغيير قدري المكتوب
فكان لابد من أن أرضخ للأمر الواقع وأستثمره
بأعلى درجة ممكنة من الكفاءة
لا أخفي عليكم بأني قد صدمت في البداية
وحاولت جاهدا التواصل مع
بعض الأصدقاء الخاصين
والمعارف الذين أثق بهم
وكانت النتيجة أن لا أحد يملك
القدرة على تغيير قدري المكتوب
فكان لابد من أن أرضخ للأمر الواقع وأستثمره
بأعلى درجة ممكنة من الكفاءة
.
.
في العنبر 7
مثل بقية العنابر
عليك أن تحجز زاوية أو ركن أو مكان وتحارب
من أجل البقاء فيه حتى يعرف الجميع أن هذا هو مكانك
ومن أرادك يعرف موقعك
.
.
وقد حجزت لي مكانا قرب الباب
وهو أسوأ مكان
لأن لا أحد يريد هذا المكان
فهو موقع ازعاج
الداخل / والخارج
ولكن لأني جديد
ولا أريد الصراع والمشاكل
فقد ذهبت الى المكان الخالي
.
.
تمددت هناك واستلقيت على ظهري
واضعا ذراعي على عيني
باحثا عن مساحة هدوء
.
.
ويجب أن أتعلم كيف أنفصل
عن الضجيج من حولي
والا أصبت بالجنون
.
.
بدأت أستدعي الماضي
وأتذكر .. الأحداث
وأحلل
.
.
وبدأت الأفكار تتزاحم بجنون في جمجمتي
وشعرت حينها بالاضطراب والقلق يسري بسرعة
البرق في شتى أنحاء جسدي
وأنا أكاد أغرق في تيارات الأفكار
الهوجاء
.
.
وفي زاوية صغيرة من جمجمتي
خطرت على بالي خاطر جديدة
لماذا لاتتحكم في أفكارك
وكيف أتحكم في أفكاري انها أفكار
لاأعلم كيف ولكن يجب أن تتعلم كيف
وبدأت أتمحورحول خاطرتي
وأفكر في الطريقة التي يمكن
أن أتحكم بها في اتجاه الأفكار
.
.
قلت في ذاتي
الفكرة شحنة كهروبيلوجية
تتحرك في اتجاه
ما نحبه أو نخاف منه
ولو استطعنا أن ننشئ
شيئا نحبه
فان الأفكار سيزيد توجهها نحوه
ولو أنشأنا شيئا ( في خيالنا طبعا )
نحبه أكثر فان الأفكار ستترك الأول ..
وتتوجه الى الشيء الثاني
.
.
فكرت حينها في الثروة العملية التي سأكتسبها
في السجن رغم الألم من حولي
والمعاناة
فشعرت براحة كبيرة وبدأت أفكاري
تتزاحم في التفكير
في كيفية الاستفادة
.
.
وخطر في بالي لماذا الطبيب الجراح
يصبر بل ويستمتع بمنظر الدم والمريض الشاكي
ببساطه لأنه يفكر في النتيجة بعد الألم
ألا وهو الصحة .. والراحة
التي سيحصل عليها المريض
اذا فهو يتجاوز اللحظة الحالية ليفكر في
النتيجة وتكون هي الهدف الذي يحبه
وحينها تتحرك أفكار الطبيب في اتجاه
النتيجة
.
.
بقيت مستلقيا على ظهري
أفكر في الطرق والأساليب التي
يمكنني أن أستخدمها مع السجناء
سواء مجرمين أو مظلومين
لكي أستدرجهم في الحديث
وأحصل منهم على الدروس التي
أريدها ..
.
.
وكانت أفكاري كريمة معي
وقد كان للمخزون المعرفي الذي
حصلت عليه من خلال الدورات والقراءة في الكتب
أثر كبير أيضا في صياغة
أسلوب التعامل مع الناس
وخصوصا
ذوي الطباع الصعبة
.
.
كنت لا أزال مستلقيا
ومستمتعا في ادارتي لأفكاري
وأنا أشعر بها مطيعة لي
تسير أينما أشير
.
.
وكنت قد وضعت لذاتي منهجية
واضحة للتعاون معها في اكتساب أكبر
قدر ممكن من الفوائد
وصغتها في النقاط التالية
.
.
أولا
صفتي الشخصية هنا هي
( تلميذ - طالب - متعلم )
ثانيا
أخلاقي هنا هي
احترام الانسان مهما كان
مجرما أو بريئا
ثالثا
أسلوبي هنا
الهدوء الذاتي والصفاء الفكري داخليا
والابتسامة البسيطة غير المتكلفة خارجيا
.
.
وبعد أكثر من ساعتين بقيتها مستلقيا على ظهري
والناس من حولي في صراخ وحركة دائمة
رفعت ذراعي من فوق عيني
وجلست
.
.
أفكر من أين أبدأ
يتبع
.......🌸🌸...🌸🌸.........
مدونة امرأة من طراز خاص
👸خدمة امرأة من طراز خاص 👸
بقيادة المدربة والاستشارية الأسرية
🎀 أ.أروى حسين
👈حسابنا على تويتر وفيسبوك وانستجرام📲 @semfonias
👈تليجرام 📲
@semfonias4
للانضمام لخدمتنا النسائية
💟التواصل مع المشرفة ام باسل
+966 53 573 0504

شاركها في جوجل+

0 التعليقات:

إرسال تعليق