صحوت صباح اليوم التالي .. وتوضأت وصليت الفجر
ورفعت كفي أدعو
فلم أعرف بماذا أدعو
فقط .. رفعت كفي
وبكيت .. بكيت ..
ولا أذكر متى كانت آخر مرة بكيت فيها
لكن هذه المرة .. شعرت بطعم الدموع وهي تنساب على خدي
وتتسلل من أطرف فمي ..
.
.
.
لم أدعو .. ولكني شعرت بالرغبة في الشكر لله .. والامتنان لفضله
فقد يكون مايحدث الآن .. درس لطيف من الله
ليعلمني شيئا ..
ليقول لي أني جاهل !!
ليقول لي .. لا تغتر بذاتك ..
.
.
.
ومنذ تلك اللحظة
وأنا أشعر بسعادة داخلية
رغم موجات الاحساس بالندم .. والخوف .. والقلق
ولكن حدتها أقل بكثير من ساعة القبض علي .. والاثنا عشر ساعة التي تلتها
فكرت بعمق
يمكنني أن أتعلم
لابد وأن وراء كل واحد من هؤلاء الناس الذين معي .. لابد أن وراء كل واحد منهم حكاية .
ولابد أن وراء كل حكاية درس .. أو دروس
تستحق أن نتعلمها
.
.
.
اذا ياسعيد .. لابد أن تفتح عقلك .. وقلبك لهؤلاء الناس
وتجلس أمامه .. تلميذا يتعلم من أستاذه ..
/////
نعم .. هذا هو الدرس الثاني الذي خطر ببالي في تلك اللحظة
( يجب أن تفتح قلبك وعقلك لكل من حولك .. فكل واحد لديه علم قد لا تعرفه )
.
.
.
أما اذا أعتقدت أنك العالم .. والخبير والمستشار الذي يتعلم منه الناس
فانك قد أغلقت على عقلك وحكمت على نفسك بالجهل
ابتسمت من أعماقي ( وشعرت بطعم الابتسامة بعد مرارة تلك الدموع ..
.
رفعت رأسي أتأمل وجوه رفقاء السجن .. وأبحث بين الوجود عن أول واحد أحتاج أن أقترب منه
كي يعلمني شيئا عن تجربته ..
.
.
.
وكان أول واحد رجل في الستين من عمره ( !! )
كان نائما على جنبه .. ولا يكلم أحد ..
وقلت في نفسي لابد وأنه كنز من الخبرات والتجارب
وقررت أن أبدأ به
في زاوية شبه مظلمة وبعيده عن حركة السجناء
كان فيه رجل ستيني العمر .. يدخن بشراهه
ولا أحد يقترب منه .. يقولون أنه بذيء
الكلام .. وما يعرف غير السب واللعن
أخذت عصير سن توب كان معي
من بقية وجبة العشاء ..
واقتربت منه بهدوء
وكانت نظراته مليئة بالحقد والغضب
وأخذ ينظر الي وأنا قادم اليه
( لم أبتسم ولم أكشر )
فقد تغضبه ابتسامتي
منه .. وناولته العصير
قال لي " وش ذا "
قلت " عصير "
قال " أدري عصير .. بس ليش "
قلت " أبد أرتحت لك، وقلت أبعد من الناس المزعجين .. "
نظر الي وهو يفك العصير بعنف
وقال " أكره المزعجين "
سألني
" وش جابك هنا "
فكرت شوي ورديت
" غلطه بسيطه .. ما توقعتها تكبر وتسحبني هنا .. "
قال " كلنا أخطينا "
سكت .. وأنا آمل أن يبدأ في السرد ..
أكمل كلامه وقال
" أحيانا نغلط .. ونغلط .. ونغلط غلطات كبيرة وربي يتركنا .. لكن اذا استمرينا في الغلط .. نقع "
" أنا عمري ستين سنه .. كنت زمان شيخ ، وأدرس الطلاب في الابتدائية .. وأصلي بالناس في الجامع الكبير ويوم الجمعة أخطب بهم .. وكان عندي دكان صغير وصبي ( عامل ) يبيع فيه .. وتزوجت بنت خالي .. وجالي ( رزقت ) منها 5 بنات وولد.
وكنت أحب بناتي .. وأفديهم بعيوني الثنتين، وكنت أتمنى يرزقني ربي بولد، وفعلا جالي ( رزقت ) بولد وسميته ناصر .. وكبر ناصر .. وتغيرت معاملتي للبنات .. وصار ناصر الكل في الكل .. يروح معي للدكان .. والمسجد .. وأي شي يبيه .. أجيبه له .
وصار عمر ناصر 14 سنه، وبدأ يضرب خواته اللي أكبر منه، وأنا طبعا أقول لهم هذا ولي العهد .. اذا أنا غايب عن البيت .. هو يجلس مكاني. وكلمته مسموعه .. ولا أحد يرفع صوته وهو موجود.
وكنت آشوف الحزن والحسرة في عيون بناتي .. لكن كنت أقول هذولا بنات بكرة يتزوجن ويروحن مع أزواجهن ولا يبقى لي الا ناصر.
وكبر ناصر .. وصار عمره 18 سنه وخلص الثانويه ، وقال ودي أسافر للخارج عشان هنا الجامعات تعقيد
وطبعا أنا شيخ وأعرف ان الشباب اذا سافروا برا يضيعون، قلت لناصر لأول مرة في حياتي ( لا )
وحاول معي أسبوع كامل وبدأ يرفع صوته علي ويوقول أنتوا ما تفهموني .. ولا تقدروني، على الأقل اشتروا لي سيارة بدل ما أنا كل يوم أشحذ من زملائي عشان يركبوني معهم.
وطبعا .. ماعندي فلوس كفايه عشان أشتري له سياره .. وقلت له أبشر بس أصبر الين تتسهل الأمور
قال .. ( طز ) فيكم .. ما عاد أبي منكم شي .. وخرج
يتبع
....... ... .........
مدونة امرأة من طراز خاص
خدمة امرأة من طراز خاص
بقيادة المدربة والاستشارية الأسرية
أ.أروى حسين
حسابنا على تويتر وفيسبوك وانستجرام @semfonias
تليجرام
@semfonias4
للانضمام لخدمتنا النسائية
التواصل مع المشرفة ام باسل
+966 53 573 0504
0 التعليقات:
إرسال تعليق